رشيد اليزمي: العالِم المغربي الذي شحن العالم بطاقة المستقبل

رشيد اليزمي: العالِم المغربي الذي شحن العالم بطاقة المستقبل

النشأة و البدايات التعليمية

يُعتبر العالِم المغربي رشيد اليزمي أحد أبرز العقول التي غيّرت وجه التكنولوجيا الحديثة، فهو الرجل الذي ساهم في جعل الهواتف الذكية و السيارات الكهربائية واقعًا يوميًا، بفضل اكتشافه العلمي في مجال بطاريات الليثيوم أيون، دخل اسمه التاريخ إلى جانب أعظم العلماء في مجال الطاقة و الكيمياء، و أصبح نموذجًا ملهمًا للباحثين الشباب في المغرب و العالم العربي.

وُلد رشيد اليزمي سنة 1953 بمدينة فاس العريقة، وسط بيئة مغربية تقليدية محبة للعلم و المعرفة، أظهر منذ صغره اهتمامًا خاصًا بالفيزياء و الكيمياء، و كان شغوفًا بتفكيك الأجهزة المنزلية لمعرفة طريقة عملها.

بعد حصوله على شهادة الباكالوريا في العلوم الرياضية، التحق بـالمدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط، ثم سافر إلى فرنسا لمتابعة دراسته العليا، حيث حصل على الدكتوراه في الهندسة الكهربائية و الكيمياء من جامعة غرونوبل، التي ستصبح فيما بعد نقطة الانطلاق نحو مسيرته العلمية اللامعة.

الانطلاقة نحو العالمية

التحق اليزمي بعد تخرجه بالمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (CNRS) سنة 1979، و هناك بدأ أبحاثه حول المواد الكربونية و استخدامها في تخزين الطاقة، و في بداية الثمانينيات، توصل إلى اكتشاف علمي سيغيّر مستقبل التكنولوجيا: إدخال أيونات الليثيوم داخل الغرافيت بطريقة آمنة و فعالة.

هذا الاكتشاف سمح للعلماء لاحقًا بتطوير بطاريات الليثيوم-أيون القابلة لإعادة الشحن، و هي التقنية التي تُستخدم اليوم في أغلب الأجهزة الإلكترونية الحديثة: الهواتف الذكية، الحواسيب المحمولة، الكاميرات، و حتى السيارات الكهربائية.

الإنجاز العلمي الأكبر: أساس بطاريات العصر الحديث

كان العالم في تلك الفترة يبحث عن بديل آمن و فعّال لبطاريات النيكل و الكادميوم التي كانت ثقيلة و مضرة بالبيئة، و بفضل أبحاث العالم رشيد اليزمي، تمكنت شركة Sony اليابانية سنة 1991 من تطوير أول بطارية تجارية تعتمد على مبدأ الغرافيت و الليثيوم، لتُحدث ثورة في عالم التكنولوجيا المحمولة.

و رغم أن اسم اليزمي لم يُذكر في البداية بشكل واسع، إلا أن المجتمع العلمي كان يعرف تمامًا أن اختراعه هو الركيزة الأساسية لهذه التكنولوجيا التي يعتمد عليها أكثر من 90% من الأجهزة الإلكترونية الحديثة.

أبحاثه في الشحن السريع والتقنيات الجديدة

لم يتوقف رشيد اليزمي عند هذا الحد، بل واصل أبحاثه في مجالات الطاقة و التخزين الذكي، و ركّز في السنوات الأخيرة على تطوير بطاريات يمكن شحنها في أقل من 10 دقائق دون أن يتأثر عمرها الافتراضي.

لهذا الغرض أسس شركة KVI Holdings في سنغافورة، التي تهدف إلى تسويق هذه التكنولوجيا الثورية التي يمكن أن تحدث نقلة نوعية في عالم السيارات الكهربائية و تخزين الطاقة المتجددة.

كما يعمل اليزمي على مشاريع لتقليل تكلفة إنتاج البطاريات و جعلها أكثر استدامة و صديقة للبيئة، و هي رؤية تنسجم مع طموحاته لجعل العالم أقل اعتمادًا على الوقود الأحفوري و أكثر توجهًا نحو الطاقات النظيفة.

براءات الاختراع والأبحاث

يمتلك رشيد اليزمي رصيدًا علميًا غنيًا يتجاوز 150 براءة اختراع في مجالات متعددة، من بينها الكيمياء الكهربية، المواد النانوية، و تقنيات الشحن و التخزين.

نُشرت أبحاثه في كبريات المجلات العلمية، مثل Nature وJournal of Power Sources، مما جعله يُعتبر من بين أبرز الخبراء العالميين في تكنولوجيا البطاريات.

مناصب أكاديمية ومساهمات علمية

شغل اليزمي مناصب علمية مرموقة في العديد من المؤسسات الدولية، من أبرزها:

§        الباحث الدائم في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (CNRS).

§        أستاذ في جامعة نانيانغ التكنولوجية بسنغافورة.

§        مستشار علمي لعدد من الشركات و المؤسسات في مجالات الطاقة و التقنيات النظيفة.

كما شارك في مؤتمرات دولية كثيرة، و أشرف على عشرات الطلبة و الباحثين، مما جعله قدوة للجيل الجديد من العلماء العرب الذين يسعون إلى الإسهام في تطوير المعرفة الإنسانية.

الجوائز و التكريمات الدولية

نال رشيد اليزمي خلال مسيرته الطويلة العديد من الجوائز و الأوسمة تقديرًا لإسهاماته العلمية، من أهمها:

 

§        وسام الاستحقاق الوطني الفرنسي سنة 2014.

§        جائزة الملك فيصل العالمية للعلوم سنة 2018، و هي من أرقى الجوائز العلمية في العالم العربي.

§        جائزة الاختراع الكبرى في سنغافورة تقديرًا لابتكاراته في الشحن السريع للبطاريات.

§        كما كُرّم في المغرب من طرف جلالة الملك محمد السادس، تقديرًا لدوره في رفع اسم المملكة عاليًا في مجال البحث العلمي العالمي.

هذه التكريمات ليست مجرد شواهد فخر، بل هي اعتراف عالمي بمكانته كأحد أعمدة العلم الحديث في مجال الطاقة.

رؤية رشيد اليزمي لمستقبل الطاقة في المغرب

يُؤمن اليزمي إيمانًا راسخًا بأن المغرب يمتلك مؤهلات هائلة ليصبح مركزًا إقليميًا في مجال الطاقات المتجددة و صناعة البطاريات الكهربائية.

فبفضل موارده من الفوسفاط و المعادن، و امتلاكه مشاريع ضخمة في الطاقة الشمسية و الريحية، يمكن للمملكة أن تلعب دورًا رائدًا في الانتقال الطاقي العالمي.

كما يدعو اليزمي إلى الاستثمار في البحث العلمي المحلي و تكوين جيل جديد من المهندسين و الباحثين المغاربة في مجالات الكيمياء الكهربائية و تخزين الطاقة، معتبرًا أن المعرفة هي الثروة الحقيقية لأي دولة.

الجانب الإنساني والفكري

بعيدًا عن المختبرات، يتميز رشيد اليزمي بتواضعه و إنسانيته، فهو كثيرًا ما يتحدث عن أهمية الشغف و حب الاكتشاف في مسيرة أي عالم، و يشجع الشباب على التفكير بحرية و الإيمان بقدراتهم.

يقول في أحد تصريحاته: «ما تحقق ليس معجزة، بل نتيجة فضول علمي دائم، و رغبة في تقديم شيء مفيد للبشرية».

كما يعبر دائمًا عن اعتزازه بانتمائه إلى المغرب، و يؤكد أن نجاحه هو ثمرة تربية مغربية أصيلة و دعم عائلي كبير، و أنه يسعى إلى رد الجميل لوطنه من خلال نقل الخبرة و المعرفة إلى الأجيال القادمة.

رؤية رشيد اليزمي لمستقبل الطاقة و الذكاء الاصطناعي

إلى جانب اهتمامه بتقنيات البطاريات و الطاقة النظيفة، يُولي رشيد اليزمي أهمية كبيرة للتطورات الحديثة في الذكاء الاصطناعي و دوره في مستقبل الطاقة، فهو يرى أن تزاوج الذكاء الاصطناعي مع علوم المواد و الطاقة سيقود إلى ثورة صناعية جديدة، قادرة على جعل العالم أكثر استدامة و كفاءة.

في لقاءاته الأخيرة أشار اليزمي إلى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي ستُستخدم قريبًا في تحليل أداء البطاريات و التنبؤ بعمرها الافتراضي، بل و حتى إصلاح أعطالها ذاتيًا عبر تقنيات المعالجة الذكية، كما يؤمن بأن الذكاء الاصطناعي سيساعد في تصميم مواد جديدة لتخزين الطاقة تكون أخف وزنًا و أكثر أمانًا و صديقة للبيئة.

و في رؤيته للمستقبل، يؤكد اليزمي أن التحول الطاقي لن يكون ممكنًا بدون دمج الذكاء الاصطناعي في كل مراحل إنتاج و توزيع و استهلاك الطاقة، و هو يدعو الشباب المغربي و العربي إلى اكتساب مهارات في هذا المجال، لأن «المستقبل سيكون لمن يجمع بين العلم و الابتكار».

خاتمة

يُعتبر رشيد اليزمي نموذجًا فريدًا لعالمٍ جمع بين الذكاء و الإصرار، و بين الجذور المغربية و الطموح العالمي، فلقد ساهم في ابتكار التكنولوجيا التي نستخدمها جميعًا يوميًا دون أن نعلم أن وراءها عالمًا مغربيًا من فاس، إن إرثه العلمي لا يقتصر على اختراع البطاريات الحديثة فقط، بل يمتد إلى إلهام جيل جديد من المغاربة و العرب على الإيمان بقدرتهم على الابتكار و المنافسة في أرقى الميادين العلمية.

و مهما بلغت قيمة الجوائز التي حصل عليها، فإن أعظم إنجاز لليزمي هو أنه جعل اسم المغرب محفورًا في ذاكرة التكنولوجيا الحديثة، و أثبت أن العقول العربية قادرة على إنارة طريق المستقبل، تمامًا كما تشحن البطاريات التي اخترعها طاقة هذا العالم.
تعليقات