تلقيح السحب "الإستمطار الصناعي": مبدأ التقنية، الإيجابيات و السلبيات، و تجربة المغرب
مقدمة
مع
تزايد التحديات المناخية التي تؤثر على مصادر المياه حول العالم، بدأت الدول في
استكشاف حلول تكنولوجية مبتكرة لتخفيف آثار الجفاف و شح الموارد المائية، من بين
هذه الحلول، برزت تقنية "الإستمطار الصناعي" أو "تلقيح السحب"
، كوسيلة لتحفيز هطول الأمطار بشكل اصطناعي، تعد هذه التقنية محاولة للاستفادة من
السحب الموجودة في الغلاف الجوي لزيادة معدلات هطول الأمطار في المناطق التي تعاني
من نقص المياه.
ما هو تلقيح السحب؟
تلقيح
السحب هو عملية تهدف إلى تحفيز هطول الأمطار عن طريق رش مواد كيميائية في السحب،
مثل يوديد الفضة أو الأملاح، و ذلك لتحفيز تكثف الرطوبة داخل السحب و تحويلها إلى
قطرات ماء كبيرة تسقط على شكل أمطار، تعتمد هذه التقنية على شروط جوية محددة، بما
في ذلك وجود سحب معينة تحتوي على كمية كافية من الرطوبة.
تتم
العملية عادةً باستخدام الطائرات التي ترش المواد الكيميائية مباشرة في السحب، أو
عن طريق صواريخ تُطلق هذه المواد إلى الطبقات الجوية العليا، يعتبر يوديد الفضة
أحد أكثر المواد استخدامًا في هذا السياق بسبب قدرته على تحفيز تكوين بلورات الثلج
داخل السحب، مما يؤدي إلى تساقط الأمطار أو الثلوج.
الإيجابيات
.1 زيادة
هطول الأمطار:
أحد
أبرز إيجابيات هذه التقنية ، هو قدرة الإستمطار الصناعي على زيادة كميات الأمطار
في المناطق الجافة أو التي تعاني من نقص مائي، يمكن أن تكون هذه التقنية مفيدة
جدًا للزراعة و تحسين الظروف البيئية.
.2 تخفيف
آثار الجفاف:
تلقيح
السحب يمكن أن يساعد في تخفيف آثار الجفاف و المساهمة في تحسين إمدادات المياه
الجوفية و المسطحات المائية، مما ينعكس إيجابيًا على مختلف القطاعات الاقتصادية،
بما في ذلك الزراعة و الصناعة.
.3 تحسين
جودة الهواء:
يمكن
أن تساهم الأمطار الناتجة عن تلقيح السحب في تنظيف الهواء من الجسيمات العالقة و الغبار، و بالتالي تحسين جودة الهواء
في المناطق الملوثة.
.4 دعم
الزراعة:
تلقيح
السحب يوفر دعمًا هامًا للقطاع الزراعي، خاصة في المناطق التي تعتمد بشكل كبير على
الأمطار، مثل المغرب و دول
أخرى في شمال إفريقيا و جنوب آسيا.
السلبيات
.1 التكاليف
المرتفعة:
عملية
تلقيح السحب مكلفة للغاية بسبب الحاجة إلى استخدام الطائرات المتخصصة و المواد الكيميائية المكلفة، هذا يجعل
من الصعب تطبيق التقنية على نطاق واسع في الدول النامية.
.2 عدم
اليقين في النتائج:
على
الرغم من بعض النجاحات، فإن تلقيح السحب لا يضمن نتائج مؤكدة، قد تكون الظروف الجوية غير مواتية أو
لا تحتوي السحب على كمية كافية من الرطوبة، مما يجعل الجهود غير فعالة في بعض
الأحيان.
.3 التأثيرات
البيئية:
هناك
قلق من أن تلقيح السحب يمكن أن يكون له تأثيرات بيئية غير متوقعة على المناخ و البيئة
الطبيعية، بما في ذلك التأثير على أنماط الهطول الطبيعية و التوازن البيئي.
.4 الأضرار
الصحية المحتملة:
رغم
أن المواد المستخدمة في تلقيح السحب تعتبر آمنة بشكل عام، إلا أن هناك مخاوف بشأن
التأثيرات الصحية المحتملة للمواد الكيميائية مثل يوديد الفضة على الإنسان، و الحياة
البرية عند استخدامها بشكل متكرر.
الدول الرائدة في مجال
تلقيح السحب
1.الولايات المتحدة:
تُعد
الولايات المتحدة من الدول الرائدة في تلقيح السحب، حيث تمتلك تاريخًا طويلًا في
هذا المجال منذ أربعينيات القرن العشرين، يتم استخدام هذه التقنية بشكل واسع في
الولايات الجنوبية و الغربية التي تعاني من نقص في الموارد المائية.
.2 الصين:
الصين
هي أكبر مستخدم لتقنية تلقيح السحب في العالم، حيث تستخدم هذه التقنية لتحسين هطول
الأمطار و تحسين الظروف الزراعية في مختلف مناطق البلاد، تمتلك الصين بنية تحتية
متقدمة جدًا في هذا المجال، تشمل طائرات و صواريخ متخصصة.
.3 الإمارات
العربية المتحدة:
أصبحت
الإمارات من الدول الرائدة في الإستمطار الصناعي في السنوات الأخيرة، نظرًا
لظروفها المناخية القاحلة، استثمرت الإمارات بشكل كبير في تطوير تقنيات الإستمطار
لتعزيز مواردها المائية المحدودة.
.4 روسيا:
تستخدم
روسيا تلقيح السحب لأغراض مختلفة، بما في ذلك تحسين الظروف الجوية خلال المناسبات
الرسمية مثل احتفالات يوم النصر،
كما تستخدم التقنية لتحسين الهطول في مناطق زراعية معينة.
تجربة المغرب في تلقيح
السحب
يعد
المغرب من الدول الرائدة في تطبيق تقنيات تلقيح السحب في منطقة شمال إفريقيا، بدأت
المملكة هذه التجربة منذ أوائل الثمانينيات بهدف تعزيز الموارد المائية و تحسين
هطول الأمطار في المناطق القاحلة و شبه القاحلة.
في
المغرب، يتم استخدام برنامج "الغيث" الذي يتم تشغيله بالتعاون مع منظمة
الأرصاد الجوية العالمية، يهدف البرنامج إلى زيادة هطول الأمطار في مناطق معينة من
البلاد التي تعاني من جفاف مزمن، تعتمد العملية في المغرب على رش يوديد الفضة
باستخدام طائرات متخصصة، مع الأخذ في الاعتبار الظروف الجوية المحلية لتحسين
الفعالية.
التحديات في المغرب:
رغم
النجاح الذي حققته هذه التقنية في بعض المناطق، إلا أن المغرب يواجه تحديات مالية
و لوجستية لتوسيع نطاق تلقيح السحب على مستوى أوسع، كما أن هناك حاجة لمزيد من
البحث لضمان أن العملية لا تسبب تأثيرات سلبية على البيئة أو صحة الإنسان.
الخاتمة
تلقيح
السحب أو الإستمطار الصناعي يمثل تقنية واعدة لتحسين الموارد المائية في العالم،
خاصة في الدول التي تعاني من الجفاف وشح الأمطار، على الرغم من الفوائد التي
تقدمها هذه التقنية، إلا أنها ليست حلاً سحريًا لمشاكل المياه العالمية، تحتاج
الدول التي تستخدم هذه التقنية إلى تقييم المخاطر و التكاليف بعناية لضمان
الاستفادة القصوى منها دون التسبب في أضرار بيئية أو صحية.