فن
التبوريدة: تراث مغربي
أصيل
مقدمة
فن
التبوريدة، الذي يُعرف أيضًا بـ"الخيالة" أو "الفروسية
التقليدية"، هو جزء لا يتجزأ من التراث الثقافي المغربي، يمتد تاريخه إلى
قرون عدة، حيث يمثل مزيجًا رائعًا بين الفروسية التقليدية و الاحتفالات الجماعية،
تتضمن هذه الفنون عروضًا منظمة للخيول التي تُقَدَّم بشكل جماعي بواسطة فرسان
يرتدون أزياء تقليدية، و يستخدمون بنادق تقليدية، تعتبر التبوريدة مظهرًا من مظاهر
الرجولة و الشجاعة و القوة، و هي تجسيدٌ حي لتاريخ الفروسية في المغرب، حيث يجتمع
الناس من مختلف الأجيال و المناطق للاحتفال بهذه الفنون و التعبير عن تراثهم
الثقافي.
تاريخ التبوريدة و تطورها
يرجع
أصل التبوريدة إلى العصور الوسطى، حيث كانت تمارس كجزء من التحضير للمعارك و الحروب،
كان الفرسان يقومون بعروض استعراضية لعرض مهاراتهم في الفروسية و استخدام الأسلحة
أمام القادة و السكان المحليين، مما يعزز من روح الانتماء و الحماسة لدى الجماعات
المحلية، و على مر الزمن، تطورت التبوريدة من مجرد ممارسة حربية إلى احتفال
اجتماعي و ثقافي يعكس الهوية الجماعية للأمازيغ و العرب في المغرب.
في
القرون الماضية، كانت التبوريدة تُقام في المناسبات الدينية و الوطنية مثل الأعياد
الإسلامية و المناسبات القبلية، و مع تطور الزمن، أصبحت التبوريدة جزءًا من
الاحتفالات الشعبية و المهرجانات المحلية و الوطنية، لم يعد الهدف منها الاستعداد
للحرب، بل أصبح استعراضًا للفخر بالتراث الوطني و الموروث الثقافي.
تأثير التبوريدة على المجتمع
المغربي
المستوى
الإجتماعي
تؤثر
التبوريدة بشكل كبير على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية و الثقافية في المغرب، فهي
تُعتبر رمزًا من رموز الهوية المغربية، و تعزز من الشعور بالفخر و الانتماء بين
أفراد المجتمع، علاوة على ذلك، تساهم التبوريدة في نقل القيم التقليدية من جيل إلى
آخر، مثل الشجاعة و الكرامة و الوفاء.
المستوى
الثقافي
على
المستوى الثقافي، تُعد التبوريدة وسيلة للحفاظ على التراث المغربي الغني و المتنوع،
من خلال العروض و الاحتفالات التي تُقام، يتعرف الناس على تاريخهم و ثقافتهم، و يتم
الحفاظ على الأزياء التقليدية و الأدوات المرتبطة بالفروسية، كما تسهم التبوريدة
في تعزيز السياحة الثقافية، حيث يزور المغرب العديد من السياح لحضور مهرجانات
التبوريدة و التعرف على هذا الجانب الفريد من التراث المغربي.
المستوى
السياحي
فن
التبوريدة له تأثير كبير على السياحة في المغرب، حيث يجذب السياح من مختلف أنحاء
العالم لمشاهدة العروض الفروسية التقليدية و المشاركة في المهرجانات المحلية، تُعد
مهرجانات التبوريدة، مثل مهرجان الفرس في الجديدة، وجهات سياحية مميزة تعزز من
مكانة المغرب كوجهة سياحية ثقافية، يُسهم هذا الفن في دعم الاقتصاد المحلي و تنشيط
القطاع السياحي من خلال تعزيز التراث الثقافي و إبراز الهوية المغربية على الساحة
الدولية.
مدن و مهرجانات مشهورة
بالتبوريدة
تُقام
التبوريدة في مختلف أنحاء المغرب، و تشتهر بعض المدن بتنظيم مهرجانات خاصة بهذه
الفنون، من بين المدن المعروفة بتنظيم التبوريدة نجد:
- مهرجان
الفرس في الجديدة: يُعتبر من أكبر المهرجانات المخصصة للتبوريدة في المغرب،
يُنظم سنويًا في مدينة الجديدة و يستقطب آلاف الزوار من مختلف مناطق المغرب و
العالم، يُعد هذا المهرجان فرصة لإبراز المهارات الفروسية و عرض الخيول
العربية الأصيلة.
- مهرجان
مولاي عبد الله أمغار: يُقام هذا المهرجان في منطقة الجديدة، و يعتبر من بين
أقدم المهرجانات المرتبطة بالتبوريدة، يشارك فيه عدد كبير من الفرق الفروسية
من مختلف المناطق، و يتم خلاله عرض مهارات الفروسية في جو احتفالي مميز.
- مهرجان
سيدي بنور: هو
مهرجان تقليدي يقام في منطقة دكالة، و يجمع بين العروض الفروسية و الاحتفالات
الشعبية، يشتهر هذا المهرجان بمشاركة عدد كبير من الفرسان و الفرق الفروسية،
و يُعتبر من أبرز المناسبات الثقافية في المنطقة.
مجهودات الدولة و الجمعيات
في المحافظة على التراث
تولي
الدولة المغربية أهمية كبيرة للمحافظة على التراث الثقافي و الفني، بما في ذلك
التبوريدة، حيث قامت الحكومة المغربية باتخاذ العديد من الإجراءات و التدابير
للحفاظ على هذا التراث، من بينها:
- تسجيل
التبوريدة كتراث ثقافي غير مادي: في عام 2021، تم تسجيل فن
التبوريدة في قائمة التراث الثقافي غير المادي لدى منظمة الأمم المتحدة
للتربية و العلم و الثقافة (اليونسكو)، هذا الاعتراف الدولي يعزز من جهود
المغرب في الحفاظ على هذا التراث و ترويجه على المستوى العالمي.
- دعم
المهرجانات و الفعاليات الثقافية: تدعم الحكومة المغربية تنظيم
مهرجانات التبوريدة في مختلف المناطق، سواء من خلال توفير الدعم المالي أو
التنظيمي، هذا الدعم يساهم في الحفاظ على استمرارية هذه الفنون و تعزيزها
كجزء من التراث الثقافي المغربي.
- تأسيس
جمعيات محلية: تُعد الجمعيات المحلية الفاعل الرئيسي في المحافظة على
التبوريدة، تعمل هذه الجمعيات على تنظيم الدورات التدريبية للفرسان الشبان، و
الحفاظ على الأزياء التقليدية و المعدات المرتبطة بالفروسية، كما تشارك
الجمعيات في تنظيم المهرجانات المحلية و تساهم في توعية المجتمع بأهمية
الحفاظ على التراث.
- التعليم
و التوعية: تسعى
الدولة و الجمعيات المحلية إلى دمج التراث الثقافي و الفني، بما في ذلك فن
التبوريدة في المناهج التعليمية، يتم تنظيم ورش عمل و حصص تدريبية في المدارس
لتعريف الأطفال و الشباب بهذا التراث، و تعزيز شعورهم بالانتماء و الفخر به.
خاتمة
يظل
فن التبوريدة جزءًا لا يتجزأ من الهوية المغربية، و رمزًا للفخر الوطني و الانتماء
الثقافي، بفضل جهود الدولة و الجمعيات المحلية، يتم الحفاظ على هذا التراث الغني و
نقله من جيل إلى آخر، و مع تسجيله في قائمة التراث الثقافي غير المادي لدى
اليونسكو، يُصبح التبوريدة إرثا عالميًا يحتفى به و يُقدَّر في مختلف أنحاء العالم.